مقال: ‘حتى نلتقي- مشاعر وأحاسيس‘ - بقلم : يوسف أبو جعفر
العلاقات البشرية من أغرب العلاقات فهي في الأساس مجموعة من المشاعر التي تحدد في النهاية مدى قربنا أو بعدنا عن شخص معين،

يوسف أبو جعفر - تصوير: قناة هلا وموقع بانيت
هناك علاقات عادية رباطها الأساس هو الدم بمعنى علاقة مباشرة وهذه جعلها الله علاقات خاصة ولكنها تبقى غريبة، فالمولود الذي يولد لأب ينتظر طفله رغم أن علاقته به لا يكتنفها الحمل والولادة وما يصاحبهما من الآم، إلا أن الحب والفرحة والخوف يتقاسمهما كلا الوالدين، فهذه العلاقة ربانية لا يخل موازينها إلا أمر عظيم، فحب الوالدين للأبناء، وحب الأبناء للوالدين غير محدود وقد يتنازل الواحد عن روحه من أجل بقاء الأخر.
ولكن هناك علاقات بشرية روحية تبدأ بلحظة دون سابق معرفة، فقد يكون لك صديق لا تراه كل يوم ولكنه صديقك، تشعر به وتشتاق إليه لا تربطك به علاقة دم، ربما تكونت الصداقة منذ زمن من خلال العمل أو ظروف معينة ولكنك تجد نفسك في ارتباط روحي مع هذا الشخص، تشاركه أحلامك وأفكارك وتهتم به رغم المسافات حتى ولو كانت قريبة فأنت تشتاق له وتخاف عليه.
بعض العلاقات تكون أعجب ففيها نلتقي بشخص لدقائق معدودة دون سابق معرفة فنقرر أن هذا الشخص نريد العيش معه كل العمر، شيء ما جذبنا إليه ونجتهد في ذلك وهكذا يصبح زواجًا بين شخصين دون سابق معرفة، انظروا حولكم كم هم الأزواج الذين تزوجوا دون سابق معرفة وُلِد كل منهما في عالم ودولة أخر، كبرا ثم شاء الله لهما أن يلتقيا ويكونا أسرة، نحن في الشرق ما زلنا نستغرب ذلك وفي الحقيقة أن الاعداد تخبرنا أن هذا يحدث يوميًا، ونسميها في عاميتنا القسمة والنصيب، وهي في نهاية المطاف عبارة عن مشاعر.
هناك نوع أخر من العلاقات يكون فيه خوف ومحبة من طرف واحد، قد لا يعرف الواحد الأخر، ولكننا نقلق عليه ونرجو له الخير، مثال ذلك مئات المتابعين لشخصيات عامة، نريد لهم النجاح فما زال كثير يغبط قادة سياسين حول العالم، وممثلين ، وعلماء سوى أن هذه العلاقة مرهونة الزمن وهي تختلف عن العلاقة السرمدية، فحبنا للرسول صلى الله عليه وسلم غير مرهون حدث، حب لا يمكن الاشتراط عليه ولذلك فيه سرمدية وقوة تخرج كثيرًا من البشر ليفتدي بروحه ويدافع عن النبي عليه السلام.
الحقيقة أن العلاقات يتم فحصها فقط عند الأزمات، ففض العلاقات الزوجية مثلًا مرهون بالمشاعر التي ينقلب فيها الإيجاب سلبًا، فمن حبيبين إلى عدوين في الغالب، واختفاء الصداقة في الغالب تنقلب إلى عداوة وكره ويعود ذلك لأننا نشعر بالخذلان والغش من صداقة كانت مطلية بالنفاق وربما بأكثر من ذلك كالمصالح وغيرها.
قليلون هم إذا خاصموا أو اختلفوا مع من يحبون يلجأون إلى الستر ويعتبرون من كانت بالأمس زوجة وحبيبة ستبقى كذلك وإن فض العلاقة المقدسة يجب أن يُبقي على المشاعر النبيلة بين الأطراف.
ولكني ما زلت اعتقد أن أجمل المشاعر تلك التي يظلمنا فيها من نحب ونبقى نحبه رغم كل شيء، ليس ذلك فحسب بل ربما نرجو له ونتمنى له كل التوفيق والنجاح، نريده أن يكون أسعد الناس وربما تصنعنا بعض المواقف المؤلمة حتى يبتعد عنا ولكننا في داخلنا نحبه ونريد له كل الخير، مثال هذه العلاقات هجر الأبناء للبيت وأحياناً ابعاد ولد من البيت لسوء في طبعه وكذلك الحب الصادق بجميع اشكاله، لأن هذه المشاعر لا تنتظر المقابل، هي في الغالب من طرف واحد فهي من أسمى المشاعر الإنسانية.
المشاعر معقدة وليست سهلة ولذلك رأب الصدع فيها يحتاج إلى قوة نتخطى فيها الأنا الذي يمنعها من العودة إلى طبيعتها، الأنا تغير موازين مشاعرنا، تحرف مسارها الطبيعي ويشارك الأنا النظرة العامة أو ما نسميه العرف والعادة الذين يجحدان كثير من هذه المشاعر، فنحن قبلنا زواج خديجة بمحمد صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا تصرف أحد وتزوج امرأة اكبر منه بعشر سنوات همسنا ولمزنا ولم نترك للمشاعر موقعًا، وهكذا دواليك نجد لأنفسنا أعذارًا خارج نطاق المشاعر الحقيقية.
وحتى نلتقي، أنبل العلاقات الإنسانية تلك التي لا تنتظر المقابل، ولنتذكر أن مشاعرنا تحكم كثير من تصرفاتنا وسلوكنا وقيمنا الاجتماعية، كلما أدركنا ذلك عرفنا أنه من الخطأ طمر المشاعر الحقيقية، العمر يمضي وقد تبقى جروح العلاقات تنتقل من جيل لأخر، فلنختر لأنفسنا الحب والوفاء فإن لم نستطع فلا نحرق مشاعرنا سلبًا وليكن الرحيل عنوان وذلك خير من العداوة .
من هنا وهناك
-
‘الشخير الحاد وانقطاع التنفس الانسدادي‘ - بقلم : د. ناصر عزمي الخياط
-
القيادة الحقيقية.. ثقة ووضوح ودالة متجانسة صاعدة، لا تعرف اللون الرمادي ولا العيش في ‘الظل‘
-
‘العنف… حين يختنق المجتمع بصمته ومسؤوليتنا أن نعيد للناس حقهم في الأمان‘ - بقلم: رانية مرجية
-
عمر عقول من الناصرة يكتب: الى اين انتم ماضون بنا؟
-
مقال: ميزانية اسرائيل 2026.. اسرائيل تنتقل من الليبرالية العلمانية الى الدكتاتورية التلمودية! - بقلم: د. سهيل دياب
-
مقال: عملية ‘الأحجار الخمسة‘: دلالات العدوان على طوباس كمقدمة لإعادة تشكيل الضفة الغربية - بقلم : د. عمر رحال
-
‘ بين الواقعية السياسية ووحدة الموقف: اختبار الإرادة الفلسطينية ‘ - بقلم: محمد علوش
-
‘التهجير الصامت : الاحتلال يبتكر أساليب جديدة لتهجير الغزيين‘ - بقلم: د. حسين الديك
-
مقال: بين السلاح وإعادة الإعمار: الغزيون يطالبون بالحياة أولاً - بقلم: الصحافية لارا احمد
-
‘الاستشراق الرقمي: كيف تصنع وسائل الإعلام الغربية شرقاً جديداً ؟‘ بقلم: الدكتور حسن العاصي





التعقيبات