نظرة نحو أدب ‘ قلة الأدب ‘ (الإلحاد الأدبي) ، بقلم : رافي مصالحة
إن حاجة المرء لإثبات ذاته تقع في قاع سلم الحاجات في هرم ماسلو الذي بناه عالم النفس الأمريكيّ " أبراهام هارولد ماسلو" وتقترن حاجات تحقيق الذات اقتراناً وثيقاً

رافي مصالحة
بالسعي وراء الشهرة وحب الظهور، فهناك شريحة تحاول جاهدة البحث عن موطئ قدم ضمن قائمة المشاهير، فيثملها الشغف واللهث المبالغ فيه وراء الرغبة في إشهار الذات، ويودي بهم إلى التنازل عن أسمى مبادئهم وقيمهم، محاولين الظهور بما لا يمت بصلة لهويتهم وأصولهم, وهكذا ينحدر اللاهث وراء الظهور إلى التنازل عن مبادئه وقيمه، والمساومة على دينه، وصولا إلى اختراق الحدود التي لا يمكن تجاوزها كونها مسلمات تتفق مع المنطق والطبيعة البشرية, كالمس بالذات الالهية، بغية إثارة ضجة إعلامية واهية، أو محاولة الظهور بصورة مغايرة لحقيقتنا وطبيعتنا.
"لا يوجد اي شاعر عربي متدين او مؤمن بالمفهوم المتداول للايمان والدين!. الجميع كانوا ملحدين وشكوكيين وغنوصيين. المتدينون كانوا شعراء فاشلين".
هذه المقولة التي تبعث على الغثيان, قالها أدونيس في حوار اجري لصحيفة مورغن بلادة الهولنديّة الاسبوعية Morgenbladet مع الناقد والكاتب الأميركي جون فريمان John Freeman.
وأدونيس هذا هو شاعر من سوريا بلغ الثمانين. اعتاد الاستخفاف بالدين وقيمه وأصوله. وعكف على دسّ ذات الله تعالى في أدبياته في مواضع السخرية والتحقير كاشفا عن إلحاده بصورة مخزية. وهو يكتب كفراً في ملجئه المترف في السويد منفصلا عن واقع بلده الذي تلتهمه نيران الحرب.
مقولة أدونيس المذكورة آنفا لا أساس لها من الصحة لا تاريخيا ولا معنويا. انها حلقة أخرى يضيفها في محاولته السباحة ضد التيار والكفر بالمسلمات لافتا الانظار اليه كطائر يحلق خارج السرب. لا يمكن اعتبار أدونيس في طليعة كتاب العصر, فالكثيرون الكثيرون سبقوه وهو متخلّف عن ركبهم لا يرى سوى الغبار الذي تركوه وراءهم وهم يسعون نحو المجد في فضاء الأدب العربي, دون أن يلوّثوا صحائفهم بالنوافل والترهات التي امتهنها ادونيس هذا في كتاباته التي أهملها السواد الأعظم من الناس.
إنّ الشعر الرديء يفنى قبل صاحبه. والإبداع الأدبيّ هو مرادف لنظافة المعنى ورقيّه ونبله. لطالما كان الأدب محرك الشعوب في نهضاتها وثوراتها وعلوّ مكانتها. الأدب رسالة تثقيفيّة, توصل المغزى الى القارئ بأسلوب جميل وترسخ في معتقداته المعاني السامية.
لكن الإنصاف يحتم علينا أن نذكر أن أدونيس لم يكن متفردا في تلك التقليعة التي يرمي خلالها إحداث الضجة بالمس بجوهر الاديان أو إهانة الذات الاهية, والتي أعجبت الكثيرين من أفراخ الشعراء الذين ما فارق الزغب حواصلهم, وراحوا يجمحون في التفنن بما يمس الذوق من تطاول على ذات الله, لكن ماذا عساك تقول في عصر بات الأدب والشعر مهنة من لا مهنة له, وكل شيء فيه مباح.
نزار قباني كتب مرة وقال:
"من بعد موت الله، مشنوقاً، على باب المدينة
لم تبق للصلوات قيمة
لم يبق للإيمان أو للكفر قيمة."
أي قيمة أدبية يمكن أن تجدها في مثل هذه الهرطقات ؟ّ. ما هي الرسالة الاجتماعية التي يهدف الكاتب أن يبثها في ذهن القارئ من خلال كلمات خاوية من أي معنى
ومحمود درويش خاطب الله بأعلى صوته, والجماهير تصفق:
"يا الله
جربناكَ
جربناكَ
من أعلاك فوق جراحنا."
ويطفو ههنا السؤال ذاته : ألا يتم ولا يستقيم المعنى إلا بالمس بالله بكلمات تخلو من أي قيمة أدبيّة ؟.
كثيرون يقدرون هذا الكلام على أنه شعر, ويمجدون, ويحللون. وعندما تسألهم عن دينهم يؤكدون أنهم على دينهم, كالجمر, قابضون.
لكن كيف لكم أن تعيشوا هذا التناقض ؟؟!! ولقد قال الله تعالى عن مجالسة هؤلاء:
{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ}. وقول الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً).
وعدنان الصايغ شاعر عراقي نكرةٌ احترف المسّ في اشد مواضع الدين حساسية. وفي أقل قصيدةٍ له كُفراً قال في حقّ الله تعالى:
"أُدير قرص الهاتف
وأطلبه
ترد سكرتيرته الجميلة
إنه مشغول هذه الأيام
إلى أُذنيه"
ورغم ضحالة كلماته ونحولها وانعدام المعنى فيها, فقد أثبت أنّ الكفر والإلحاد لإثارة الجدل لا يأتي بالشهرة دائماً.
ولكي ندرك أن أدونيس ضالّ ومضلل, وأن كرامة الشعر ونقاوته لا ترتبط بالضرورة بالاساءة للأديان والمقدسات, فإنّ جرير، الفرزدق، المتنبي، أحمد شوقي, والكثير الكثير من فحول الشعر على مرّ العصور أبدعوا بغير كفر ولا إلحاد، فالمبدع الحق لا يحتاج للتخلي عن مبدأ واحد من مبادئه لكي يشتهر أو لكي يكونَ شاعراً كبيراً كما يدّعي "المُفكِّر" أدونيس، وقفوا قليلا عند كلمة "مُفَكِّر" التي صارت في أيّامنا تُطلقُ على الذينَ يسخرون من ربّهم ويهينون دينهم غالباً.
من هنا وهناك
-
‘العنف… حين يختنق المجتمع بصمته ومسؤوليتنا أن نعيد للناس حقهم في الأمان‘ - بقلم: رانية مرجية
-
عمر عقول من الناصرة يكتب: الى اين انتم ماضون بنا؟
-
مقال: ميزانية اسرائيل 2026.. اسرائيل تنتقل من الليبرالية العلمانية الى الدكتاتورية التلمودية! - بقلم: د. سهيل دياب
-
مقال: عملية ‘الأحجار الخمسة‘: دلالات العدوان على طوباس كمقدمة لإعادة تشكيل الضفة الغربية - بقلم : د. عمر رحال
-
‘ بين الواقعية السياسية ووحدة الموقف: اختبار الإرادة الفلسطينية ‘ - بقلم: محمد علوش
-
‘التهجير الصامت : الاحتلال يبتكر أساليب جديدة لتهجير الغزيين‘ - بقلم: د. حسين الديك
-
مقال: بين السلاح وإعادة الإعمار: الغزيون يطالبون بالحياة أولاً - بقلم: الصحافية لارا احمد
-
‘الاستشراق الرقمي: كيف تصنع وسائل الإعلام الغربية شرقاً جديداً ؟‘ بقلم: الدكتور حسن العاصي
-
‘ تشريعات المرور بينَ الحَلْبِ والكسب وغياب العدالة ‘ - بقلم : المحامي عماد زايد
-
مقال: ‘المشتركة بين الشعبيّة والشعبويّة والشعب يريد! ‘ - بقلم : المحامي سعيد نفّاع





أرسل خبرا